سورة يونس - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{الر} فخمها ابن كثير ونافع برواية قالون وحفص وقرأ ورش بين اللفظين، وأمالها الباقون إجراء لألف الراء مجرى المنقلبة من الياء. {تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} إشارة إلى ما تضمنته السورة أو القرآن من الآي والمراد من الكتاب أحدهما، ووصفه بالحكيم لاشتماله على الحكم أو لأنه كلام حكيم، أو محكم آياته لم ينسخ شيء منها. {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} استفهام إنكار للتعجب و{عَجَبًا} خبر كان واسمه: {أَنْ أَوْحَيْنَا} وقرئ بالرفع على أن الأمر بالعكس أو على أن (كان) تامة و{أَنْ أَوْحَيْنَا} بدل من عجب، واللام للدلالة على أنهم جعلوه أعجوبة لهم يوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم. {إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ} من أبناء رجالهم دون عظيم من عظمائهم. قيل كانوا يقولون العجب أن الله تعالى لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة. هذا وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلا في المال وخفة الحال أعون شيء في هذا الباب، ولذلك كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك. وقيل تعجبوا من أنه بعث بشراً رسولاً كما سبق ذكره في سورة (الأنعام). {أَنْ أَنذِرِ الناس} أن هي المفسرة أو المخففة من الثقيلة فتكون في موقع مفعول أوحينا. {وَبَشّرِ الذين ءامَنُواْ} عمم الإنذار إذ قلما من أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه، وخصص البشارة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة {أَنَّ لَهُمْ} بأن لهم {قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ} سابقة ومنزلة رفيعة وسميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد، وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية. {قَالَ الكافرون إِنَّ هذا} يعنون الكتاب وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام. {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} وقرأ ابن كثير والكوفيون {لساحر} على أن الإِشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة. وقرئ: {ما هذا إلا سحر مبين}.


{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض} التي هي أصول الممكنات. {فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُدَبّرُ الأمر} يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ويهيئ بتحريكه أسبابها وينزلها منه، والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة. {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} تقرير لعظمته وعز جلاله، ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له {ذَلِكُمُ الله} أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية. {رَبُّكُمْ} لا غير إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك. {فاعبدوه} وحدوه بالعبادة. {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} تتفكرون أدنى تفكر فينبهكم على أنه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه.
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} بالموت أو النشور لا إلى غيره فاستعدوا للقائه. {وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} وعد من الله. {حَقّاً} مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه {وَعَدَ الله} {إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد بدئه وإهلاكه. {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} أي بعدله أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في أمورهم أو بإيمانهم لأنه العدل القويم كما أن الشرك ظلم عظيم وهو الأوجه لمقابلة قوله: {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} فإن معناه ليجزي الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم، لكنه غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب والتنبيه على أن المقصود بالذات من الإِبداء والإعادة هو الإثابة والعقاب واقع بالعرض، وأنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعينه، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم. والآية كالتعليل لقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} فإنه لما كان المقصود من الإبداء والإعادة مجازاة الله المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إليه لا محالة، ويؤيده قراءة من قرأ {أَِنَّهُ يَبْدَأُ} بالفتح أي لأنه ويجوز أن يكون منصوباً أو مرفوعاً بما نصب {وَعَدَ الله} أو بما نصب {حَقّاً}.


{هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاءً} أي ذات ضياء وهو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط والياء فيه منقلبة عن الواو. وقرأ ابن كثير برواية قنبل هنا وفي (الأنبياء) وفي (القصص) {ضئاء} بهمزتين على القلب بتقديم اللام على العين. {والقمر نُوراً} أي ذا نور أو سمي نوراً للمبالغة وهو أعم من الضوء كما عرفت، وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على أنه خلق الشمس نيرة في ذاتها والقمر نيراً بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها. {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل، أو قدره ذا منازل أو للقمر وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منازله وإناطة أحكام الشرع به ولذلك علله بقوله: {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرفاتكم. {مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} إلا ملتبساً بالحق مراعياً فيه مقتضى الحكمة البالغة. {يُفَصّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها وقرأ ابن كثير والبصريان وحفص {يفصل} بالياء.
{إِنَّ فِى اختلاف اليل والنهار وَمَا خَلَقَ الله فِى السموات والأرض} من أنواع الكائنات. {لأَيَاتٍ} على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته. {لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر.
{إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها. {وَرَضُواْ بالحياة الدنيا} من الآخرة لغفلتهم عنها. {واطمأنوا بِهَا} وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها، أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها. {والذين هُمْ عَنْ ءاياتنا غافلون} لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأساً والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلاً، وإما لتغاير الفريقين والمراد بالأولين من أنكر البعث ولم ير إلاَّ الحياة الدنيا وبالآخرين من أَلهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والاعداد له.
{أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النار بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي.
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أو لإدراك الحقائق كما قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» أو لما يريدونه في الجنة، ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإِيمان والعمل الصالح لكن دل منطوق قوله: {بِإِيمَانِهِمْ} على استقلال الإِيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له. {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} استئناف أو خبر ثان أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير، وقوله: {فِي جنات النعيم} خبر أو حال أخرى منه، أو من {الأنهار} أو متعلق ب {تَجْرِى} أو بيهدي.
{دعواهم فِيهَا} أي دعاؤهم. {سبحانك اللهم} اللهم إنا نسبحك تسبيحاً. {وَتَحِيَّتُهُمْ} ما يحيي به بعضهم بعضاً، أو تحية الملائكة إياهم. {فِيهَا سَلاَمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ} وآخر دعائهم. {أَنِ الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} أي أن يقولوا ذلك، ولعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال، ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعالى فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإِكرام، و{أن} هي المخففة من الثقيلة وقد قرئ بها وبنصب {الحمد}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8